سوريا: الفلسطينيون والثّورة السّورية

هذا المقال ضمن تغطيتنا الخاصة للثّورة السّوريّة 2011.

لطالما كانت فلسطين اللاّعب الوحيد الأكثر تأثيراً في التّاريخ السّياسي لسوريا منذ الاستقلال. لقد تأثّرت سوريا بقضيّة الفلسطينيين ومأساتهم كما أثّرت فيهما، كونها تستضيف أكثر من 500,000 لاجئ فلسطيني يملكون تقريباً نفس حقوق وامتيازات المواطنين السّوريين. في الواقع، كان أوّل الانقلابات في سوريا وفي العالم العربي سنة 1949 نتيجة مباشرة لكارثة الحرب العربيّة – الإسرائيليّة سنة 1948.
قام النّظام البعثي السّوري بإسناد كامل شرعيّته إلى دعمه الثّابت للفلسطينيين. لكنّ دوره ذلك كان أكثر تعقيداً ومثيراً للانقسام في الجانب الفلسطيني. كان الزّعيم الفلسطيني ياسر عرفات يرى أنّ الرّئيس السّابق حافظ الأسد يقوم باستغلال قضيّتهم بدل دعمها. تلك الانقسامات تُصبح أحياناً دمويّة، مثل مجزرة تلّ الزّعتر، أو دعم سوريا للهجمات على المخيّمات الفلسطينيّة خلال الحرب الأهليّة اللّبنانيّة والتّي عُرفت بحرب المُخيّمات.

روح فلسطينية في كل ثائر، الصورة بواسطة @sha3eb3aref

أعادت الثّورة السّوريّة هذه الانقسامات إلى السّطح من جديد، ولكن مع إضافة قلق حالي حول تواجدهم داخلها. يعكس ذلك القلق الكاتب الفلسطيني المعروف علي أبو نعمة :

@AliAbinimah: I think Palestinians in Syria are vulnerable and I don't like the way “both sides” trying to use and recruit them.

أظنّ أنّ الفلسطينيين في سوريا مُهدّدين ولا تُعجبني محاولة استغلالهم واستئجارهم من”الجهتين”.

أناهيد الحردان من إيلكترونك انتفاضة جمعت في تقرير شامل بين الفلسطينيين في سوريا وعلاقتهم بالثّورة والمخاوف المنجرّة عن ذلك. ختمته تقول:

What these latest rounds of events tell us is that the fictive boundaries between Palestinians in Syria and the unrest are just that, becoming increasingly more difficult to maintain.
As the situation on the ground continues to change, the fate of the Palestinians in the country, like the fate of Syrians and the country as a whole, remains uncertain. However, unlike their Syrian counterparts, Palestinians are refugees with nowhere to go in the event of the further deterioration of the turmoil in Syria.

ما تُفيده هذه الجولات الأخيرة من الأحداث هو أنّ الحدود الوهميّة بين الفلسطينيين في سوريا والاضرابات قد أصبح من الصّعب المحافظة عليها.
مع تواصل التّغيرّات في الوضع على الأرض، فإنّ مصير الفلسطينيين في البلد، كما مصير السّوريين والبلد ككلّ، لايزال غير مؤكّد. لكن خلافاً  لنظرائهم السّورييّن، فإنّ الفلسطينييّن لاجؤون ليس لديهم مكان يذهبون إليه في حالة  حدوث مزيد من التّدهور في الاضطرابات في سوريا.

مع ذلك، جاءت طفرة تورّط الفلسطينيين في الثّورة السّوريّة عقب مجزرة تريمسة عندما اندلعت مظاهرات حاشدة في مخيّمي اليرموك والتضامن في دمشق يومي 13 و14يوليو.

(الفلسطينيّون يتظاهرون في مخيّم اليرموك بدمشق (المصدر

لكن قبل أن يدخل الفلسطينيّون فعلاً النّزاع بفترة طويلة، كانوا قد عبّروا عن دعمهم للثّورة السّوريّة. كتبت النّاشطة الفلسطينيّة بدور حسّان عن “الانتفاضة السّوريّة بعيون فلسطينيّة”:

Palestinians chanted “Yallah Irhal Ya Bashar” [Bashar, leave!] in Nazareth, Haifa, Jaffa, Baqa, Jerusalem, Bil’in and Nabi Saleh. Many of us will continue to do so since it’s our duty to stand on the side of those who sing for freedom, dance, and even make jokes through the horror visited by bullets and mortar shells. A victory for the brave Syrian people over Assad’s tyranny will be a triumph for every oppressed community in the world.

ردّد الفلسطينيّون “يلاّ ارحل يا بشّار” في النّاصرة وحيفا ويافا وباقة والقدس وبلعين والنبي صالح. كثيرون منّا سيستمرّون في القيام بذلك لأنّه من واجبنا الوقوف إلى جانب أولئك الذّين يُنشدون من اجل الحرّية، يرقصون ويتندّرون وسط الرّعب الذّي يأتي عبر الرّصاص وقذائف الهاون. انتصار الشّعب السّوري الشّجاع على طُغيان الأسد سيكون بمثابة انتصار لكلّ المظلومين في العالم.

في المقابل، كان كتّاب فلسطينيّون آخرون أقلّ ارتياحًا للمسار الذّي اتّخذته الثّورة السّوريّة ورأوه بمثابة فشل ذريع. الأكاديمي الفلسطيني المعروف جوزيف مساد كتب يقول:

Those who see the Syrian popular struggle for democracy as having already been hijacked by these imperial and pro-imperial forces inside and outside Syria understand that a continuation of the revolt will only bring about one outcome, and it is not a democratic one – namely, a US-imposed pliant and repressive regime à la Iraq and Libya. If this is what the Syrian demonstrators are struggling for, then they should continue their uprising; if this is not their goal, then they must face up to the very difficult conclusion that they have been effectively defeated, not by the horrifying repression of their own dictatorial regime which they have valiantly resisted, but rather by the international forces that are as committed as the Syrian regime itself to deny Syrians the democracy they so deserve.

أولئك الذّي يرون  أنّ النّضال الشّعبي السّوري من أجل الدّيمقراطيّة قد تمّ اختطافه من قبل القّوات الامبرياليّة والدّاعمة لها داخل وخارج سوريا، يفهمون أنّ مواصلة هذه الثّورة سوف تجلب نتيجة واحدة فقط، وهي ليست ديمقراطيّة، بل هي فرض نظام قمعي من قبل الولايات المتّحدة الأمريكيّة تماماً كما فعلت في العراق وليبيا.
إن كان هذا ما يناضل من أجله المتظاهرون السّوريّون، فليواصلوا ثورتهم، وإن لم يكن هذا هو هدفهم، فيجب عليهم إذاً أن يواجهوا الخاتمة العسيرة وهي أنّهم هُزموا فعليّاً، ليس عن طريق القمع المُريع الذّي يمارسه نظامهم الدّكتاتوريّ الذّي يقاومونه بشدّة، ولكن عن طريق القوّات الدّوليّة التّي تلتزم تماماً مثل النّظام السّوري بحرمان السّوريين من الدّيمقراطيّة التّي يستحقّون.

في الوقت الذّي تُثار فيه هذه النّقاشات وسط الفلسطينيين أنفسهم، سوف يتأثّرون ولابدّ بآخر التّطوّرات على الأرض كما سيغيّر دخول فلسطينيّي سوريا الصّراع إلى جانب الثّورة من طبيعة علاقة سوريا بالقضيّة الفلسطينيّة والشّعب الفلسطيني.

هذا المقال ضمن تغطيتنا الخاصة للثّورة السّوريّة2011

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.