سيف والخواجة: أسرتان تقفان بثبات من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية، أسرة الخواجة

هذه قصة أسرتين من بلدين مختلفين تميزتا بنفس السعي من أجل حقوق الإنسان على الرغم من الكلفة الشخصية الباهظة. الأسرة الاولى من مصر، في حين أن الثانية من البحرين. تم تمرير الدفاع عن حقوق الإنسان من جيلٍ إلى آخر في هاتين الأسرتين وذلك بواسطة الرجال والنساء الشجعان، والذين يقبع البعض منهم في السجن بأحكام طويلة بسبب ثباتهم على معتقداتهم. في هذا المقال نتحدث عن العائلة الثانية من البحرين.

القسم الثاني في البحرين

أسرة الخواجة 

عبد الهادي الخواجة

بعد حصول الانتفاضة الشعبية في البحرين قدم عبد الهادي الخواجة استقالته من عمله لدى فرونت لاين ديفندرز، وهي نفس المنظمة التي كنت أعمل فيها، وعندما سألته لماذا أجابني بقوله:

أريد أن اكون مع شعبي وهو يناضل من أجل الحصول على حريته.

لقد كان جوابًا مفعمًا يلخص قصة حياة عبد الهادي الخواجة، التي واجه فيها السجن والتعذيب والحملات الإعلامية والوصم والترهيب، لا لشيء إلا لأنه ضحى هو وأسرته بالغالي والرخيص من أجل الحصول على حرية شعبه في البحرين.

عبد الهادي يشترك في تظاهرة سلمية خلال شهر فبراير / شباط 2011

عبد الهادي يشترك في تظاهرة سلمية خلال شهر فبراير / شباط 2011

لقد تعرض الخواجة، وهو الحقوقي المعروف والمتميز دوليًا، لانتهاكات صارخة لحقوقه المدنية والانسانية كمواطن مسالم. بدءًا بالطريقة الوحشية التي تم فيها اعتقاله الأخير في 9 ابريل / نيسان 2011، والتعذيب الذي تلاه ونتج عنه تهشم فكيه وتطلب ذلك اجراء عدة عمليات جراحية متتالية، ومن ثم المحاكمة غير العادلة التي تعرض لها، حيث افتقدت أبسط المعايير الدولية للمحاكمة العادلة. فقد حكمت عليه محكمة السلامة الوطنية، وهي محكمة عسكرية، في 22 يونيو/ حزيران 2011، بالسجن المؤبد. وفي قاعة المحكمة بعد ان تمت تلاوة الحكم رفع عبد الهادي قبضته في الهواء وهو يقول:

سنواصل طريقنا في المقاومة السلمية.

الصورة أدناه أخذها له أحد رجال الأمن في قاعة المحكمة، ظنًا منه أنها تشكل إهانة للخواجة، فعلقها محبوه وسلكت طريقها على جدران المنازل لأنها تنطق باستهزائه من جلاديه وتجسد عنفوانه وشجاعته ورفضه لكل أنواع القمع والارهاب والتسلط:

2

لقد عانى في السجن الكثير من سوء المعاملة. فأضرب هو وزملائه عن الطعام مرات ومرات، مطالبين بإطلاق سراحهم وتحسين معاملتهم. وبتاريخ 8 فبراير / شباط 2012، بدأ لوحده إضرابًا عن الطعام من أجل الحرية له ولغيره من المعتقلين، والذي أدى إلى أن يصبح في حالة صحية خطيرة. وفي 28 مايو / أيار 2012، أعلن الخواجة أنه قد أنهى إضرابه عن الطعام الذي امتد 110 يوما بعد تعرضه للتغذية القسرية. وفي 25 أغسطس / آب 2014 بدأ الخواجة إضرابًا ثانيًا عن الطعام في سجن جو، الذي أمضي فيه أكثر من ثلاث سنوات ونصف احتجاجًا على سجنه بتهم تتعلق بحرية التعبير، حيث استمر إضرابه لمدة 30 يومًا.

عبد الهادي الخواجة في الأيام الأخيرة من إضرابه الأول عن الطعام

عبد الهادي الخواجة في الأيام الأخيرة من إضرابه الأول عن الطعام

لابد من القول ان عبد الهادي الخواجة قد عمل كل ما بوسعه من أجل دعم حركة حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأصبح له علاقات واسعة مع مدافعي حقوق الإنسان في سوريا، العراق، فلسطين، الصحراء الغربية، تونس، السودان، السعودية، اليمن وغيرها من بلدان المنطقة حيث أنه كان يؤمن بقوة بضرورة التنسيق التام بين مدافعي حقوق الإنسان، من أجل بلوغ الهدف الأسمى وهو بناء مجتمعات حرة مزدهرة يتمتع فيها المواطنون بحرياتهم المدنية والإنسانية كاملة بدون اي نقصان.

خديجة الموسوي

لن يكون سهلًا على عبد الهادي الخواجة وبقية أفراد أسرته أن يصلوا الى هذه الدرجة النادرة من الصمود والتضحية والإيثار والإقدام دون المساهمات الفذة والدور البطولي لزوجة عبد الهادي الخواجة وشريكة حياته الأثيرة خديجة الموسوي. إنها إنسانة فريدة من نوعها تمتاز بقوة الشخصية والشجاعة الفائقة وتتبنى فكرة التضحية من أجل الحرية. تفكر الموسوي دائمًا بغيرها من ضحايا الاستبداد في البحرين وتنسى ما تتعرض له أسرتها من انتهاكات صارخة أدانها العالم الحر.

خديجة الموسوي وزوجها عبد الهادي الخواجة

خديجة الموسوي وزوجها عبد الهادي الخواجة

والتغريدة التالية تعطي فكرة واضحة عن إيمانها بكل ما يقوم به أفراد أسرتها من نشاطات سلمية أدت إلى تعرضهم للاستهداف المباشر من قبل حكومة البحرين. انها تفتخر بهم وبأعمالهم وتدعمهم بكل ما أوتيت من قوة فهي تفتخر بهم لأنها جزء أساسي مما يقومون به وفي القلب في التخطيط والتنفيذ والتقييم.:

زينب الخواجة

لم يسبب أحدًا للحكومة البحرينية وأجهزتها في التاريخ المعاصر صداعًا حادًا كالذي سببته المناضلة الحقوقية زينب الخواجة. لا يستطيع أحد ان يتوقع ماذا ستفعل في اللحظة القادمة فهي قد تكون في أي مكان، عند بوابة أي سجن أو وزارة حكومية، تحتج وتنقل إلى العالم بأسره ما يتعرض له شعب البحرين من قمع شديد وتمييز راسخ ومصادرة لحرياته الأساسية. لقد جربوا سجنها بتهم باطلة ولكنها حتى في السجن فضحت ادعاءاتهم الباطلة باحترام حقوق الإنسان لتنهال عليهم الإدانات الدولية.

زينب الخواجة صوت الشعب في البحرين، المغردة أبدًا من أجل حريته ومستقبله السعيد. إنها بنت ابيها، لديها شجاعة منقطعة النظير لا تهاب ولا تخشى أحدًا. فلقد استخدمت تويتر لفضح السجل الأسود لحكومة البحرين في مجال حقوق الإنسان فكان قرار استهدافها الذي أُتخذ على أعلى المستويات:

6

انظر اليها في هذه الصورة الناطقة تقف لوحدها أمام جيش جرار من قوى الأمن البحريني بعدتهم وعديدهم وهي واقفة بشموخ مرفوعة الرأس. حقًا انها ابنة الخواجة فهذه اللبؤة من ذاك الأسد:

7

وهنا وبالرغم من أنها محاطة بقوات الشرطة من كل جانب فإنها أبدًا تستمر في احتجاجها السلمي ومطالبتها بالحرية لشعب البحرين:

8

زينب في خطر دائم الآن، فهي قد تعتقل في أي لحظة قادمة. ففي 4 ديسمبر / كانون الأول 2014 تم الحكم على زينب الخواجة بالسجن ثلاث سنين مع غرامة قدرها (3000) ثلاثة آلاف دينار بحريني بتهمة تمزيق صورة عاهل البحرين خلال جلسة محاكمة انعقدت في أكتوبر/ تشرين الأول 2014. لفد دفعت (100) مائة دينار بحريني ككفالة حتى تبقى خارج السجن حتى وقت جلسة الاستئناف المقرر عقدها في 15 يونيو / حزيران 2015، وإذا تمت حينها المصادقة على الحكم فإنها ستسجن لمدة ثلاث سنوات وستدفع الغرامة ايضًا.

وبالرغم من السجن والتعذيب والاستهداف المستمر فإن أسرة الخواجة سعيدة بما تقوم به دفاعًا عن الحقوق المدنية والإنسانية لشعب مظلوم ومحروم في البحرين، وها هي زينب تقولها أغنية جميلة ورائعة بالنيابة عن أسرتها فالحرية تستحق كل هذه التضحيات:

إلى كل من يشعر بالحزن من أجلنا، أقول لهم أننا نقوم بهذه التضحيات مبتسمين، لأن أهدافنا تستحق التضحيات من أجل البحرين.

مريم الخواجة

اشتركت مريم الخواجة بانتفاضة فبراير 2011، وخرجت بعدها لتنقل للعالم بأسره حقيقة ما يجري في البحرين. لم يمنعها حَرٌّ أو برد ولا أي عائق آخر من القيام برحلاتها إلى القارات الخمس، ليس فقط من أجل حشد التأييد لقضية شعب البحرين العادلة وبل وبحكم عملها كمديرة مشاركة لمركز الخليج لحقوق الإنسان فإنها عملت كل ما بوسعها لمساندة حركة حقوق الإنسان في السعودية، الإمارات، سوريا، العراق وغيرها من بلدان المنطقة.

 10

مريم ليست استثناء، فهي تتمتع بكل صفات أسرة الخواجة في الشجاعة والاقدام والتضحية. وبالرغم من كونها مستهدفة من قبل السلطات البحرينية، مع تلقيها عدة رسائل تهديد صريحة بالقتل، فإنها قررت الذهاب الى البحرين عدة مرات غير آبهة بما قد يجري لها، بسبب حبها لبلدها وتعلقها به ورغبتها في العمل من الداخل.

بتاريخ 1 ديسمبر/ كانون الأول صدر الحكم على مريم الخواجة بالسجن لمدة سنة واحدة في أعقاب اتهامات ملفقة تتعلق باعتداء مزعوم على ملازم أول وشرطية في مطار البحرين الدولي. في 30 أغسطس / آب توجهت الى البحرين لزيارة والدها الذي كان في إضرابٍ عن الطعام حيث تم ايقافها واعتقالها فور نزولها من الطائرة. لقد أصدرت الخواجة بيانًا تشرح فيه تفاصيل قرارها بمقاطعة جلسة النطق بالحكم.

تواصل مريم عملها الآن من خارج بلدها بكل همة ونشاط يحدوها الأمل في انها ستعود الى بلدها وقد أصبح حرًا في يوم قريب آتٍ لا محالة.

ختامها مسك وأمل

والذي يجب قوله هنا أن الأمل كبير وأكيد في البحرين كما هو مصر من أن الجيل الجديد جيل جود وعبد الهادي الصغير أحفاد عبد الهادي الكبير وبنات زينب وكذلك أحفاد سيف ومن بعمرهم سوف لن يضطروا للعيش في أجواء القمع والاضطهاد الحالية هذه بل سوف يجدوا أمامهم عندما يكبرون وبسبب تضحيات أجدادهم وآبائهم وأمهاتهم مجتمعات حرة مزدهرة تحترم الإنسان وحقه في حياة كريمة ومزدهرة.

لدى جودي الآن أخ صغير: عبد الهادي الصغير pic.twitter.com/YNbiA74yPM

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.